يتم التشغيل بواسطة Blogger.

سفر توصيات موسى الوداعية لبني إسرائيل سفر التثنية الأحكام المتعلقة بالأمور الاجتماعية و العهد وشروطه

نشر من قبل Unknown  |  in دراسة الكتاب المقدس  5:10 م

سفر التثنية
سفر توصيات موسى الوداعية لبني إسرائيل
تفاصيل العهد وشروطه (12: 1 - 26: 19)
الأحكام المتعلقة بالأمور الاجتماعية (21: 1-26: 19)

توصيات موسى الوداعية لبني إسرائيل

الزواج من امرأة مسبية في الحرب:
هذه هي القضية الثانية التي يعرضها هذا الأصحاح بعد قضية جريمة القتل التي لم يُعرف الجاني فيها، والتي اقتضت إجراءً طقسياً خاصاً لإزالة آثار الجريمة وعدم تدنيس الأرض بسبب دم بريء سُفك فيها، ولطلب المغفرة لشعب إسرائيل وأهل تلك المدينة التي وُجدت جثة القتيل بالقرب منها(1). أما هذه القضية فهي تختص بما يحدث عادة بعد الانتصار في الحرب، ويعرضها موسى النبي هكذا:


+ «إذا خرجتَ لمحاربة أعدائك ودفعهم الرب إلهك إلى يدك وسبيتَ منهم سبياً. ورأيتَ في السبي امرأة جميلة الصورة والتصقتَ بها واتخذتها لك زوجة. فحين تُدخِلها إلى بيتك تحلق رأسها وتُقلِّم أظفارها، وتنـزع ثياب سبيها عنها، وتقعد في بيتك وتبكي أباها وأُمها شهراً من الزمان، ثم بعد ذلك تدخل عليها وتتزوج بها فتكون لك زوجة. وإن لم تُسَرَّ بها فأطلقها لنفسها، لا تَبـِعْها بيعاً بفضة، ولا تَسْتَرِقَّها من أجل أنك قد أذللتها» (21: 10-14).
نُلاحظ هنا في هذه القضية عودةً إلى الحديث عن أمور تختص بما يجب مراعاته من شرائع تجاه سبايا الحروب، حيث كان موضوع الحروب هو موضوع الأصحاح العشرين. وهو إن كان قد بدأ هنا بنفس البداية التي بدأ بها في الأصحاح العشرين، وهي: «إذا خرجتَ لمحاربة أعدائك»، إلاَّ أنه يحصر حديثه في هذا الأصحاح عن الأحكام المتعلِّقة باتخاذ زوجة من بين النساء السبايا بعد الانتصار في الحروب التي كانوا يخوضونها مع الشعوب البعيدة المحيطة بأرض الموعد، وهي غير الشعوب الكنعانية السبعة التي كانت في أرض الموعد، والتي كان قضاء الرب عليها بتحريمها كلِّيةً، والحُكْم بإهلاكها نظراً لفظاعة شرورها وآثامها. فكان قضاء الرب عليها كقضائه على كل الشعوب التي أهلكها الطوفان في أيام نوح، وكقضائه على أهل سدوم وعمورة الذين أحرقهم بالنار والكبريت.
أما الشعوب الأخرى، فكان المسبيون من الذكور يؤخذون عبيداً في خدمة بني إسرائيل. أما المسبيات من النساء فكانوا يتخذونهن لهم إماء أو زوجات. ولكن الزواج منهُنَّ لم يكن مسموحاً به بمجرد أَسْرهُنَّ. فقد أعطاهم الرب شريعةً يجب اتِّباعها لإتمام الزواج منهُنَّ. فقد كان عليه أن يأخذها إلى بيته، ويجعلها تحلق شعر رأسها، وتُقلِّم أظافرها، وتنـزع ثياب سبيها عنها، وتلبث في بيته شهراً كاملاً تبكي أباها وأُمها اللذين فارقتهما، ثم بعد ذلك يتزوجها. وكانت الحكمة من انتظارها شهراً من الزمان في بيته قبل الزواج منها، لأغراض إنسانية وروحية، منها:
+ أن تندب أباها وأُمها وأهلها الذين فارقتهم، والذين قد يكون قد أصابهم سوء أثناء الحرب. وفي ذلك مراعاةً لشعورها وتكريماً لإنسانيتها. ولعلَّه كان من التقاليد التي كانت تُتَّبع حينذاك في أوقات الحزن، هو حلق الرأس وتقليم الأظافر. أما نزع ثياب سبيها عنها، فهو دليل على كونها لم تَعُد مسبية بعد بل امرأة مُكرَّمة.
+ أما بقاؤها شهراً قبل الزواج منها، فلكي تتعرَّف على الوسط الجديد الذي انتقلت إليه، وتتدرَّب على معرفة الرب الإله الواحد الذي يعبده اليهود، وتتعلَّم شريعته، وعادات الشعب اليهودي وتقاليده.
+ ولكي تتعزَّى شيئاً فشيئاً من نحو فَقْد أهلها، وتذهب وحشتها، وتتعرف على عريسها الجديد وتشعر من نحوه بالثقة والاطمئنان، وحتى تكون له هو أيضاً فرصةٌ لاختبار رغبته في الزواج منها.
أما إذا طرأ للزوج بعد ذلك فكرٌ في تخليتها بعد زواجه منها، ولم يَرُقْ له الاستمرار في علاقته بها، فليس من اللائق أن يبيعها كعبدة بالفضة، أو أن يسترقَّها ويُعاملها كأَمَةٍ؛ بل كان عليه أن يُطْلقها لنفسها حُرَّةً، لتذهب حيثما تشاء. فلها أن تبقى في أرض إسرائيل أو تعود إلى أرضها التي سُبيتْ منها، وذلك احتراماً لإنسانيتها، وتعويضاً عن عدوله عن الإبقاء عليها كزوجة له.

ويُعلِّق على ذلك القديس كليمندس الإسكندري قائلاً:

[يُحرِّم (الناموس) أيضاً أن يكون هناك ارتباط مع أُنثى أسيرة من أجل أن تُذِلَّها. بل يقول: «دعها ثلاثين يوماً تبكي حسب رغبتها، وتنـزع ثياب سبيها، ثم بعد ذلك تتَّخذها زوجة شرعية لك». لأنه ليس حسناً أن يتم ذلك سواء بالإجبار أو الاستئجار مثل الزانيات، وإنما فقط من أجل إنجاب البنين. فهل رأيتَ هكذا إنسانيةً مرتبطة بالعفة مثل هذه؟ فالسيِّد الذي أحب عبدته المسبية، لم يُسمَح له أن يُشبع رغبته منها، بل وضع كابحاً لشهوته بتحديد فترة من الزمن (قبل تحقيقها)، بالإضافة إلى حلق شعرها من أجل أن يخجل من دافع حب غير طاهر لها: لأنه إذا كان هذا هو دافعه للزواج منها، فإنه سوف يقلع عن ذلك بعد أن يرى وقد تشوَّه شكلها. ثم إنه بعد أن يُشبع شهوته منها، لا يُبالي بها ولا يرغب أن يستمر في معاشرتها كزوجة، فإنه لا يحقُّ له أن يبيعها، أو يستبقيها عنده كعبدة، بل عليه أن يُطلقها حُرَّة حسب اختيارها، لئلا إذا بقيت في وجود زوجة أخرى، قد تُعاني من مشقات لا تُطاق تلك التي تُسبِّبها الغيرة](2).



تعدُّد الزوجات وحق البكورية:



+ «إذا كان لرجل امرأتان إحداهما محبوبة والأخرى مكروهة، فولدتا له بنين، المحبوبة والمكروهة، فإن كان الابن البكر للمكروهة، فيوم يَقسِم لبنيه ما كان له لا يَحلُّ له أن يُقدِّم ابن المحبوبة بكراً على ابن المكروهة البكر؛ بل يعرف ابن المكروهة بكراً ليُعطيه نصيب اثنين من كل ما يوجد عنده، لأنه هو أول قدرته، له حق البكورية» (21: 15-17).
أمامنا في هذا النص أحكام تحمي حق الابن البكر لرجل متزوج بأكثر من زوجة واحدة. وحيثما وُجد تعدُّد الزوجات التي كانت مُباحة في ناموس العهد القديم، فهناك دائماً احتمال التمييز بين الزوجات والأبناء، وهو أمر جدُّ خطير. والواقع أنَّ الله - إن كان قد أجاز هذا التشريع لهم في العهد القديم - فإنما كان ذلك لأجل قساوة قلوبهم، مثلما قال الرب يسوع في مسألة الطلاق أيضاً: «إنَّ موسى من أجل قساوة قلوبكم أَذِنَ لكم أن تُطلِّقوا نساءكم. ولكن من البدء لم يكن هكذا» (مت 19: 8). لأن الله «الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأُنثى، وقال: من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأُمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يُفرِّقه إنسان» (مت 19: 4-6).
فعلاقة الرجل بزوجته هي علاقة سامية لا تحتمل أن تكون بين رجل وزوجتين أو أكثر، فمن الواضح أنه أمر مُخالف للطبيعة التي خُلق بها الرجل والمرأة، اللذان يتوحدان بالزواج ويصيران جسداً واحداً، «إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد». ويُعلِّق بولس الرسول على ذلك قائلاً: «هذا السر عظيم، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة. وأما أنتم الأفراد فليحبَّ كل واحد امرأته هكذا كنفسه، وأما المرأة فلتهب رجلها» (أف 5: 33،32).
تعدُّد الزوجات، إذن، هو أمرٌ مخالف للطبيعة، ودائماً ما يترتب عليه الكثير من المشاكل والتمييز، مثلما حدث مع يعقوب إسرائيل: «أحب يعقوب راحيل أكثر من ليئة» (تك 29: 30)؛ وكذلك ألقانة، إذ كان ”يحب حنة أكثر فَنِِنَّة“ (1صم 1: 5). وفي مثل هذه الحالات كان الأب يُفضِّل ابنه من الزوجة الأثيرة لديه على البكر إذا كانت أُمه هي الزوجة التي يحبها أقل من الأخرى. وفي العهد القديم كان الابن البكر يُعتبر قُدْساً للرب، فيُقدَّم عنه من والديه فدية لله (خر 13: 11-15؛ 34: 20). كما كان اللاويون يُفرزون لخدمة الرب كبدلاء عن كل أبكار بني إسرائيل (عد 3: 13،12؛ 8: 16-18).
وفي شريعة العهد القديم، كان البكر مُميَّزاً في تقسيم ميراث أبيه بأنه كان يأخذ نصيب اثنين، لكونه يُمثِّل أول قدرة أبيه، أي أول ثمرة شبابه وقوته. وهذا هو ما قاله يعقوب عن رأوبين البكر: «أنت بكري قوتي، وأول قدرتي، فضل الرفعة وفضل العز» (تك 49: 3).


الابن المُعاند المتمرِّد:



+ «إذا كان لرجل ابن مُعاند ومارد لا يسمع لقول أبيه ولا لقول أُمه، ويؤدِّبانه فلا يسمع لهما؛ يمسكه أبوه وأُمه ويأتيان به إلى شيوخ مدينته وإلى باب مكانه، ويقولان لشيوخ مدينته: ابننا هذا مُعاندٌ وماردٌ لا يسمع لقولنا، وهو مُسْرفٌ وسِكِّيرٌ. فيرجمه جميع رجال مدينته بحجارة حتى يموت. فتنـزع الشر من بينكم، ويسمع كل إسرائيل ويخافون» (21: 18-21).
يوصي الرب في الوصية الخامسة من الوصايا العشر: «أكرم أباك وأُمك لكي تطول أيامك على الأرض» (خر 20: 12). ثم يعود ويُحذِّر أي ابن يتقوَّل على والديه بالهُزء أو يتعدَّى عليهما بأية صورة من صور التعدِّي، مثلما ورد في (خر 21: 17،15؛ لا 20: 9)، فمثل هذا الابن كان يُحكم عليه بالقتل. ويؤكِّد هنا نفس هذا الحُكْم شارحاً ما ينبغي عمله من إجراءات تجاه هذا الابن العاق والمُعاند والمتمرِّد، الذي لا يسمع لقول والديه ولا يخضع لتأديبهما. فقد كان على والديه أن يمسكا به ويأتيا به إلى شيوخ المدينة وقضاتها المجتمعين عند باب المدينة حيث كان يُقام القضاء. وهناك يشكو الوالدان ابنهما إلى الشيوخ بأنه مُعاند ومارد ورافض للتأديب، ومُسرف وسِكِّير. ولا شكَّ أن اتفاق الوالدين على الشكوى من ابنهما، دليلٌ على أنه لا أمل في إصلاحه ولابد من الحُكْم عليه، لأنه أصبح خطراً على المجتمع.
وحيث إن شهادة الوالدين معاً على ابنهما لا يمكن أن تكون إلاَّ صادقة، فيقوم جميع رجال مدينته برجمه بالحجارة حتى يموت، ويصير عِبْرةً لكل من تُسوِّل له نفسه أن يسلك مسلكه.



حُكْم الذي يتم قتله وتعليقه على خشبة:


+ «وإذا كان على إنسانٍ خطيةٌ حقُّها الموتُ فقُتل وعلَّقته على خشبة، فلا تَبـِتْ جُثَّته على الخشبة، بل تدفنه في ذلك اليوم. لأن المُعلَّق ملعونٌ من الله. فلا تُنجِّس أرضك التي يُعطيك الرب إلهك نصيباً» (21: 23،22).
كانت الشريعة اليهودية لا تُقرُّ عقوبة الموت صلباً، وهذا يتضح من أسلوب الآية الأولى من هذا النص وتسلسلها، أنَّ الإنسان الذي عليه خطية عقوبتها الموت، فقُتل ثم عُلِّق على خشبة، فلا ينبغي أن تُترك جثته مُعلَّقة على الخشبة، بل يلزم دفنه قبل غروب شمس ذلك اليوم، وذلك لأن المُعلَّق ملعون من الله.
أما الرومان فكانوا يحكمون على بعض المجرمين بالموت صلباً. لذلك، فقد صرخ اليهود بتحريض من رؤساء الكهنة، وطلبوا من بيلاطس أن يصلب المسيح. وكان ذلك لكي تكمل فيه أقوال الأنبياء والمزامير: «وأنا كخروف داجن يُساق إلى الذبح ولم أعلم أنهم فكَّروا عليَّ أفكاراً قائلين: لنهلك الشجرة بثمرها، ونقطعه من أرض الأحياء» (إر 11: 19)، وأيضاً: «... ثقبوا يديَّ ورجليَّ، أُحصي كل عظامي... يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي اقترعوا» (مز 22: 16-18).
ويُعلِّق على ذلك القديس أثناسيوس الرسولي قائلاً:
[فالموت الذي يرفع المرء إلى فوق، والذي يتم على شجرة، لا يمكن إلاَّ أن يكون موت الصليب. وأيضاً لا يمكن أن تُثقَب اليدان والرجلان في أيِّ موت إلاَّ على الصليب](3).
كما يُجيب القديس أثناسيوس الرسولي على السؤال: لماذا كان موت الرب على الصليب دون كل أنواع الموت الأخرى؟ فيقول:
[لأنه إن كان قد أتى ليحمل عنَّا اللعنة الموضوعة علينا، فكيف كان ممكناً أن يصير لعنة ما لم يَمُت موت اللعنة الذي هو الصليب؟ لأن هذا هو المكتوب تماماً: «ملعون كل مَن عُلِّق على خشبة» (تث 21: 23؛ غل 3: 13). وأيضاً إن كان موت الرب قد صار كفَّارة عن الجميع بموته: «نقض حائط السياج المتوسط» (أف 2: 14)، وصارت الدعوة لجميع الأمم؛ فكيف كان ممكناً أن يدعونا إليه لو لم يُصْلَب؟ لأنه لا يمكن أن يموت إنسان وهو باسط ذراعيه إلاَّ على الصليب. لهذا لاق بالرب أن يحتمل هذا الموت ويبسط يديه، حتى باليد الواحدة يجتذب الشعب القديم، وبالأخرى يجتذب الذين هم من الأُمم، ويتَّحد الاثنان في شخصه. وهذا هو ما قاله بنفسه، مُشيراً إلى أية ميتة كان مزمعاً أن يفدي بها الجميع: «وأنا إن ارتفعتُ عن الأرض أجذب إليَّ الجميع» (يو 12: 32)](4).



(1) انظر مقال: ”دراسة الكتاب المقدس“، عدد سبتمبر 2011 ، ص 20.
(2) Stromata, Book II, Chap. XVIII, p. 367 (ANF Vol. II).
(3) ”تجسُّد الكلمة“: الفصل 35: 5.
(4) ”تجسُّد الكلمة“: الفصل 25: 4،3،2.

Blogger Template By: Bloggertheme9